المجلس الوطني للصحافة: القصة الكاملة

صوت مجلس النواب في جلسة عمومية يوم الاثنين 19 يونيو 2023 على مشروع القانون رقم 15.23 المتعلق بإحداث لجنة مؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر، وسط انقسام بين مكونات مجلس النواب، وذلك بعد أن صوتت عليه لجنة التعليم والثقافة والاتصال يوم الأربعاء 14 يونيو 2023. فما هي هذه اللجنة؟ وما دواعي إحداثها؟ وما هي أسباب الخلاف حولها؟

 

السند القانوني للمجلس الوطني للصحافة

يستند المجلس الوطني للصحافة في إنشائه على الفصل 28 من الدستور المغربي الذي نص على ضمان حرية الصحافة وعدم تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية، وعلى دور السلطات العمومية في التشجيع على تنظيم قطاع الصحافة، بكيفية مستقلة، وعلى أسس ديمقراطية، وعلى وضع القواعد القانونية والأخلاقية المتعلقة به.

عملا بالأحكام الدستورية المشار إليها في الفقرة السابقة، أحالت الحكومة على مجلس النواب، بتاريخ 17 نونبر 2015، مشروع قانون رقم 90.13 يقضي بإحداث المجلس الوطني للصحافة، الذي صوت عليه في جلسة عامة بتاريخ 09 فبراير 2016 بأغلبية الأصوات، مع امتناع 9 نواب عن التصويت، لينشر بعد ذلك في الجريدة الرسمية بتاريخ 07 أبريل 2016.

الجدول (1): مراحل التصويت على القانون رقم 90.13 المتعلق بإحداث المجلس الوطني للصحافة

التاريخ المرحلة
17/11/2015 إحالة مشروع القانون على مجلس النواب
16/12/2015 مصادقة لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب على مشروع القانون كما عدلته بأغلبية الأصوات، مع امتناع نائبين عن التصويت.
23/12/2015 مصادقة مجلس النواب بالأغلبية على مشروع القانون في جلسة عمومية، بتصويت 90 نائبا لصالح المشروع، مقابل امتناع 9 نواب عن التصويت.
30/12/2015 إحالة مشروع القانون على مجلس المستشارين
25/01/2016 مصادقة لجنة التعليم والشؤون الثقافية والاجتماعية بمجلس المستشارين على مشروع القانون كما عدلته بأغلبية 5 أصوات وامتناع مستشار واحد عن التصويت.
02/02/2016 مصادقة مجلس المستشارين بالإجماع على مشروع القانون.
03/02/2016 مصادقة لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب على مشروع القانون في إطار القراءة الثانية بأغلبية 7 أصوات وامتناع 3 نواب عن التصويت.
09/02/2016 مصادقة مجلس النواب بالأغلبية على مشروع القانون في جلسة عمومية بأغلبية 70 صوتا وامتناع 9 نواب عن التصويت.
17/04/2016 نشر في الجريدة الرسمية عدد 6454.

 

 تأليف المجلس الوطني للصحافة 

ينص القانون رقم 90.13 في مادته الرابعة على أن المجلس الوطني للصحافة يتألف من واحد وعشرين (21) عضوا موزعين على النحو التالي:

  • سبعة (7) أعضاء ينتخبهم الصحافيون المهنيون من بينهم مع مراعاة تمثيلية مختلف أصناف الصحافة والإعلام؛
  • سبعة (7) أعضاء ينتخبهم ناشرو الصحف من بينهم
  • سبعة (7) أعضاء وهم :
  • ممثل عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية؛
  • ممثل عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان؛
  • ممثل عن المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية؛
  • ممثل عن جمعية هيئات المحامين بالمغرب؛
  • ممثل عن اتحاد كتاب المغرب؛
  • ناشر سابق تعينه هيأة الناشرين الأكثر تمثيلية؛
  • صحافي شرفي تعينه نقابة الصحافيين الأكثر تمثيلية.

 

 تنظيم المجلس الوطني للصحافة 

حددت المادة السادسة من القانون رقم 90.13 المتعلق بإحداث المجلس الوطني للصحافة مدة انتداب أعضاء المجلس في أربع (4) سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، وهو ما يعني أن أعضاء المجلس الذين تم انتخابهم في 22 يونيو 2018 انتهت ولايتهم في 22 يونيو 2022. بالتالي، كان من المفترض تنظيم انتخابات قصد تشكيل مكتب جديد، وهو الأمر الذي لم يتم. 

أمام هذا الوضع، تقدمت الحكومة بمشروع مرسوم بقانون رقم 2.22.770 بسن أحكام خاصة بالمجلس الوطني للصحافة، والمصادق عليه بمقتضى القانون رقم 53.22 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.23.18 (10 فبراير 2023)، والذي نص على تمديد مدة انتداب أعضاء المجلس لستة أشهر إضافية إلى غاية 04 أبريل 2023. وقد حظي مشروع القانون هذا بمصادقة مجلسي البرلمان بالإجماع.

الجدول (2): مراحل المصادقة على مشروع القانون رقم 53.22

التاريخ المرحلة
30/09/2022 إحالة مشروع القانون على مجلس النواب
17/01/2023 وافقت عليه لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب بالإجماع
23/01/2023 وافق مجلس النواب في جلسة عامة على مشروع القانون بالإجماع
30/01/2023 وافقت عليه لجنة التعليم والشؤون الثقافية والاجتماعية بمجلس المستشارين بالإجماع 
31/01/2023 وافق مجلس المستشارين في جلسة عامة على مشروع القانون بالإجماع

 

بررت الحكومة لجوءها إلى تمديد مدة انتداب أعضاء المجلس الوطني للصحافة بعدم تمكن المجلس من إجراء الانتخابات في أوانها للأعضاء الذين يكتسبون عضوية المجلس بالانتخاب، وكذلك لعدم تنصيص القانون الجاري به العمل على مقتضيات قانونية احترازية يتم تفعيلها في هذه الحالة.

 

مبادرة تشريعية من داخل مجلس النواب

في إطار مبادرة تشريعية من أجل تجاوز الفراغ القانوني، تقدم كل من النائبين أحمد تويزي ومحمد صباري عن فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب بمقترح قانون بتغيير وتتميم القانون رقم 90.13 القاضي بإحداث المجلس الوطني للصحافة بتاريخ 10 يناير 2023. انصبت أبرز التعديلات التي جاء بها هذا المقترح على : 

  • توسيع صلاحيات المجلس بإضافة اختصاصات جديدة وتوسيع نطاق مراقبته ليشمل شبكات التواصل الاجتماعي؛
  •  الرفع من عدد أعضاء المجلس من واحد و عشرين (21) عضوا إلى ثلاثة و عشرين (23) عضوا؛
  •  تعيين الملك لرئيس المجلس بدل انتخابه من طرف أعضاء المجلس؛
  •  انتداب ستة عشر (16) عضوا مناصفة ما بين هيئة الصحافيين الأكثر تمثيلية وهيئة الناشرين الأكثر تمثيلية عوض سبعة (7) أعضاء ينتخبهم الصحافيون المهنيون من بينهم مع مراعاة تمثيلية مختلف أصناف الصحافة والإعلام و سبعة (7) أعضاء ينتخبهم ناشرو  الصحف من بينهم كما ينص عليه القانون 90.13؛
  • إلغاء تمثيلية المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية و تعويضها بتمثيلية المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي؛
  • إلغاء تمثيلية كل من اتحاد كتاب المغرب و ناشر سابق تعينه هيئة الناشرين الأكثر تمثيلية وصحافي شرفي تعينه نقابة الصحافيين الأكثر تمثيلية و تعويضها بمهني في الصحافة والإعلام يعينه رئيس الحكومة ومهنيين اثنين في الصحافة والإعلام يعينهما رئيسا مجلسي البرلمان.

تم سحب مقترح القانون بتغيير وتتميم القانون رقم 90.13 القاضي بإحداث المجلس الوطني للصحافة قبل إحالته على اللجنة، بناء على طلب من رئيس فريق الأصالة والمعاصرة بتاريخ 18 يناير 2023، ليتم تقديمه مجددا باسم كل من فريق التجمع الوطني للأحرار، وفريق الأصالة والمعاصرة، والفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية، والفريق الاشتراكي، والفريق الحركي، والفريق الدستوري الديمقراطي الاجتماعي وفريق التقدم والاشتراكية. أما المجموعة النيابية للعدالة والتنمية فقد رفضت دعم المقترح باعتبار أنه “تم في غياب تام لأي نقاش أو مقاربة تشاركية شفافة وعلنية مع المعنيين من الصحفيين والناشرين”، إضافة إلى كونه “يتضمن مخالفة صريحة لأحكام الدستور الذي أكد في الفصل 28 منه على تنظيم قطاع الصحافة بكيفية مستقلة وعلى أسس ديمقراطية”، كما جاء في بلاغ الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية في هذا الموضوع .

المقترح تم سحبه من جديد بتاريخ 3 فبراير 2023، قبل إحالته على اللجنة المختصة، بطلب من رؤساء الفرق التي تقدمت به.

 

مبادرة حكومة من أجل إحداث لجنة مؤقتة

مع انصرام أجل ستة (6) أشهر التي حددها المرسوم بقانون رقم 2.22.770، وعدم تنظيم انتخابات جديدة، قدمت الحكومة بتاريخ 17 ماي 2023 مشروع قانون رقم 15.23 يقضي بإحداث لجنة مؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر، الذي نص على إحداث لجنة مؤقتة تحل محل أجهزة المجلس الوطني للصحافة لفترة انتقالية، وعُهدت إليها مهمة العمل خلال هذه الفترة على توفير الشروط الملائمة الكفيلة بتطوير قطاع الصحافة والنشر وتنمية قدراته. 

حددت المادة الثانية من المشروع مدة انتداب اللجنة في سنتين تبدأ من تاريخ تعيين أعضائها، غير أنها تحل في حالة انتخاب أعضاء المجلس الوطني للصحافة وتنتهي مهامها بمجرد شروع الأعضاء الجدد في مزاولة مهامهم.

وقد منح المشروع للجنة المؤقتة ممارسة الصلاحيات المنصوص عليها في المادة 2 من القانون رقم 90.13، كما منحها ممارسة صلاحيات أخرى تتجلى في إجراء تقييم شامل للوضعية الحالية لقطاع الصحافة والنشر واقتراح الإجراءات الهادفة إلى دعم أسسه التنظيمية داخل أجل لا يتجاوز تسعة أشهر تبدأ من تاريخ تعيين أعضائها، و تعزيز أواصر علاقات التعاون والعمل المشترك بين مكونات الجسم الصحفي وقطاع النشر،  إضافة إلى التحضير للانتخابات الخاصة بأعضاء المجلس الوطني للصحافة الواجب انتخابهم وتنظيمها طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل داخل الأجل المحدد.

وبخصوص تركيبة اللجنة المؤقتة، فإن المادة الخامسة عينت رئيس المجلس المنتهية ولايته رئيسا للجنة المؤقتة، كما تتألف اللجنة أيضا من نائب الرئيس المنتهية ولايته بصفته نائبا لرئيس اللجنة، ورئيس لجنة أخلاقيات المهنة والقضايا التأديبية المنتهية ولايته، و رئيس لجنة بطاقة الصحافة المهنية المنتهية ولايته، ورئيس لجنة بطاقة الصحافة المهنية المنتهية ولايته، و أضافت ثلاثة أعضاء يعينهم رئيس الحكومة، وقاض ينتدبه الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، و ممثلا عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان يعينه رئيس المجلس.

 

انقسام برلماني حول المشروع

تسبب مشروع القانون رقم 15.23 يقضي بإحداث لجنة مؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر في انقسام في أوساط مكونات مجلس النواب، خاصة خلال أشغال مناقشته من طرف أعضاء لجنة التعليم والثقافة والاتصال. 

ففي الوقت الذي دافع فيه بعض النواب والنائبات عن مشروع القانون باعتباره يسعى إلى تحقيق مجموعة من الأهداف أهمها ممارسة المهام المنصوص عليها في المادة الثانية من القانون رقم 90.13 والعمل على توفير الشروط الملائمة والكفيلة بتطوير القطاع في انتظار إعادة انتخاب مكتب جديد للمجلس، انتقده البعض الآخر واعتبره محاولة للإجهاز على كل ما له صلة بتعزيز مقومات التحول الديمقراطي، وممارسة منافية للدستور، وتناقضا مع مقومات الاختيار الديمقراطي والتي يعد الالتزام بسيادة القانون أحد مقوماتها، وتضييق هامش الحرية بمجال الصحافة والنشر. 

رغم احتدام النقاش حول مشروع القانون هذا، إلا أن اللجنة، في اجتماعها بتاريخ 14 يونيو 2023، صادقت عليه كما عدلته بأغلبية أصوات أعضائها الحاضرين: موافقة 15 عضوا، معارضة عضوين اثنين، وامتناع ثلاثة أعضاء عن التصويت.

 

مجلس النواب يصادق على المشروع بالأغلبية

عقد مجلس النواب جلسة تشريعية يوم الاثنين 19 يونيو 2023 خصصت لمناقشة والتصويت على مشروع القانون رقم 15.23 المتعلق بإحداث لجنة مؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر. خلال هذه الجلسة، عبر وزير الشباب والثقافة والاتصال على أن تقديم هذا المشروع يستند إلى الفصل 28 من الدستور وأنه يأتي في ظل وجود خلل في القانون الحالي للمجلس الوطني للصحافة الذي لم يحدد من ينظم هذه الانتخابات، معتبرا أنه كان يتعين على المجلس، قبل انصرام أجله، أن يقدم مقترحات من أجل تعديله.

أعلن فريق التجمع الوطني للأحرار، في مداخلة للنائب عبد الرحمان العمري، عن مساندته لما جاءت به الحكومة “بخصوص تنزيل هذا النص التشريعي الهام في أقرب وقت ممكن. بدوره، عبر النائب محمد صباري عن فريق الأصالة والمعاصرة على أن مشروع القانون جاء “لإصلاح الاختلالات السابقة التي شابت عمل المجلس الوطني للصحافة والتي هي إرث من الحكومة السابقة”، معتبرا أن مشروع القانون “لم يأت من فراغ بل فرضته الضرورة والحاجة إلى إصلاح القطاع”. و في مداخلته، قال النائب العياشي الفرفار عن الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية أن “الرهان الحالي ليس هو فقط تغيير مكتب بمكتب، وإنما هو التفكير في المستقبل والبحث عن بنية حاضنة من أجل إنشاء بنية وصية منتج للعمل الإعلامي والصحافي”

من جانبه، أكد النائب عمر اعنان عن الفريق الاشتراكي- المعارضة الاتحادية، في ذات الجلسة، أن إنشاء اللجنة المؤقتة مسألة مهمة، غير أن رفض بعض التعديلات التىي قدمها فريقه في اللجنة دفع به إلى الامتناع عن التصويت على مشروع القانون داخل اللجنة وفي الجلسة العامة.

صوت الفريق الدستوري الديمقراطي الاجتماعي لفائدة مشروع القانون داخل اللجنة وفي الجلسة العامة. وعبر من خلال كلمة ألقتها النائبة وسيلة الساحي على أن الفريق أولى هذا المشروع كامل العناية من خلال المساهمة في جميع مراحل مناقشته

كما عبر الفريق الحركي، عبر نائبته فدوى محسن الحياني، عن رفضه إقصاء أعضاء سابقين في المجلس المنتهية ولايته من المشاركة في اللجنة المؤقتة وتعيين رئيس الحكومة لثلاثة أعضاء منها. كنتيجة لذلك، امتنع الفريق عن التصويت على مشروع القانون في صيغته الحالية. وفي نفس السياق، صوت فريق التقدم والاشتراكية ضد مشروع القانون معتبرا إياه، على لسان نائبته خديجة اروهال، متنافيا مع توجهات الدستور وتراجعا خطيرا وغير مسبوق في المجال الإعلامي. 

المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، ومن خلال مداخلة للنائبة الباتول ابلاضي، اعتبرت أن المشروع انقلاب تشريعي وخرق للدستور والقانون وعلى أنه حلقة من حلقات النكوص الديمقراطي، كما اتهمت الحكومة بأنها ذات نزعة انفرادية وتسلطية وأنها ترفض الاستماع إلى طيف واسع من الجسم الصحفي. وبناء على ذلك، عبرت النائبة عن رفض المجموعة دعم مشروع القانون.

بعد مدخلات كل الفرق والمجموعة النيابية والنواب الغير المنتسبين، أفضى التصويت على مشروع القانون في الجلسة التشريعية ليوم الاثنين 19 يونيو 2023 إلى موافقة 96 نائبة ونائب عليه، ومعارضة 31 منهم له، فيما امتنع نواب كل من الفريق الاشتراكي- المعارضة الاتحادية والفريق الحركي عن التصويت، وعددهم 28 عضوا.

تجدر الإشارة إلى أنه وبعد مصادقة مجلس النواب على المشروع تمت إحالة المشروع على مجلس المستشارين الذي صادق عليه بدوره وذلك بموافقة ستة وعشرون (26) مستشارا، ومعارضة أربعة (4) مستشارين، فيما امتنع خمسة (5) مستشارين عن التصويت

فهل ستساهم اللجنة المؤقتة فعليا في تجاوز أزمة المجلس الوطني للصحافة؟

أحدث الأنشطة البرلمانية