مجلس النواب والمجتمع المدني.. أية علاقة؟

يكتسي المجتمع المدني أهمية كبرى في المجتمعات الغربية فيما يتعلق بالبناء الديموقراطي، إذ يعتبر وفق الأدبيات السياسية الغربية من المؤسسات المشاركة في الحكم، وإنتاج التشريعات وفي صنع السياسات العمومية. فهيئات المجتمع المدني، حسب أنطونيو غرامشي، هي تلك الهيئات التي تملأ الفراغ بين السلطة والمجتمع، إضافة إلى كونها أقرب إلى هذا الأخير أكثر من الدولة وأكثر اطلاعا على همومه وتطلعاته وانتظاراته من المشرعين والمؤسسات. من جهة أخرى، يعتبر محللون أن العلاقة الجيدة بين المؤسسات المنتخبة والمجتمع المدني تشكل تجسيدا حقيقيا لمفهوم المشاركة السياسية.

في بلادنا، يحدد دستور المملكة العلاقة القائمة بين البرلمان والمجتمع المدني حين ينص على مجموعة من المبادئ والآليات المؤطرة لهذه العلاقة. فالبرلمان يمثل الأمة بالنظر لطبيعة تكوينه لكونه يضم ممثلي الأمة المنتخبين في إطار الانتخابات التشريعية الخاصة بمجلسي البرلمان. كما أن للمواطنات والمواطنين الحق في تقديم ملتمسات في مجال التشريع طبقا للفصل 14 من الدستور والقانون التنظيمي المتعلق بملتمسات التشريع، ويحق للمواطنات والمواطنين تقديم عرائض موجهة للسلطات العمومية طبقا للفصل 15 من الدستور والقانون التنظيمي المتعلق بالعرائض الموجهة للسلطات العمومية. 

وبالإضافة إلى الحق في تقديم العرائض، حسب إلهام الساقي عضو مكتب مجلس النواب، فإن “الحق في تقديم الملتمسات في مجال التشريع إلى البرلمان يعتبر من الحقوق الأساسية التي خولها دستور المملكة المغربية، الصادر بتاريخ 29 يوليوز 2011، للمواطنات والمواطنين كوسيلة مهمة تمكنهم من المساهمة في المبادرة التشريعية والمشاركة في إنتاج السياسات العمومية وتجويدها، عبر تقديمهم
لمبادرات إما من شأنها سن قانون جديد أو تعديل نص تشريعي ساري المفعول أو نسخه.”

كما أنشئت البوابة الوطنية للمشاركة المواطنة لتيسير مشاركة فعالة ومباشرة للمواطنات والمواطنين وجمعيات المجتمع المدني في إعداد وتنفيذ وتقييم السياسات العمومية عن طريق ممارسة حقهم في تقديم العرائض إلى السلطات العمومية، والملتمسات في مجال التشريع إلى مجلسي البرلمان. 

وفي هذا الإطار، قام مجلس النواب بإحداث لجنة للعرائض مكلفة بتلق عرائض المواطنات والمواطنين طبقا لمقتضيات الدستور والنظام الداخلي للمجلس والقانون التنظيمي ذي الصلة بذلك من أجل تيسير مشاركة فعالة ومباشرة للمواطنات والمواطنين وجمعيات المجتمع المدني في إعداد وتنفيذ وتقييم السياسات العمومية عن طريق ممارسة حقهم في تقديم العرائض إلى السلطات العمومية، والملتمسات في مجال التشريع إلى مجلسي البرلمان. وتم كذلك إدراج مصلحتين للعرائض والملتمسات من أجل التشريع ضمن الهيكلة الإدارية الجديدة للمجلس.

بعد أن حدد المشرع الدستوري مجموعة من المرتكزات التي يقوم عليها النظام الدستوري المغربي، ومنها الديمقراطية المواطنة والتشاركية، استطاع المجتمع المدني تقديم مذكرات ترافعية للفرق والمجموعات النيابية، ويمكن أن تشكل هذه المذكرات أساسا لصياغة مقترحات قوانين أو أساسا لتقييم السياسات العمومية. وفي هذا الجانب، اجتهد العديد من الفاعلين في المجتمع المدني في تقديم اقتراحاتهم لتعزيز علاقة مجلس النواب بالمجتمع المدني.

مقترحات الفاعلين المدنيين

بالتزامن مع العمل القائم داخل مجلس النواب لتعديل نظامه الداخلي بعد أن تم تشكيل لجنة تضم ممثلين عن جميع الفرق البرلمانية والمجموعات النيابية للاشتغال على هذا التعديل، قدمت مجموعة من مؤسسات المجتمع المدني ذات الاهتمام بالعمل البرلماني، مذكرة اقتراحات بخصوص تعديلات هذا النظام الداخلي لتعزيز الانفتاح والشفافية ونشر المعلومة وتجويد العمل البرلماني.

في هذا الصدد، أعدت جمعية سمسم مشاركة مواطنة، التي تهتم بتشجيع انخراط المجتمع المدني في التشريع والرقابة وتقييم السياسات العمومية ودعم جهود انفتاح البرلمان، مذكرة تضمنت عدة تعديلات مقترحة على المشرعين في ثلاث محاور أساسية أولاها توطيد الديموقراطية عن طريق اعتماد التصويت علنيا برفع اليد أو بواسطة الجهاز الالكتروني المعد لذلك، إحالة الاتفاقيات الدولية على اللجان حسب موضوعها واختصاص كل لجنة بالإضافة إلى دعم المعارضة وتفعيل المقتضيات الدستورية المتعلقة بمقترحات القوانين التي تقدمها.

وبخصوص تحقيق المساواة والمناصفة، جاءت المذكرة بعدة مقترحات أهمها التنصيص الواضح في النظام الداخلي للمجلس على المساواة والمناصفة كهدف دستوري استراتيجي يجب تفعيله. وفيما يتعلق بتعزيز الانفتاح والشفافية ونشر المعلومة كمحور ثالث، ركزت الجمعية على الشراكة مع المجتمع المدني حيث اقترحت التفصيل أكثر في الباب الحادي عشر المعنون ب “التواصل والإعلام البرلماني” وخاصة الفرع الثالث المعنون ب: “التواصل مع المجتمع المدني” ثم وضع إطار واضح للعلاقة بين البرلمان والمجتمع المدني وتحديد طبيعة التعاون بينهما. اشترطت المذكرة كذلك تنظيم الأنشطة الفكرية والثقافية لهيئات المجلس بحضور أو بشراكة مع هيئات المجتمع المدني مع العمل على استقبال المبادرات المدنية التي تقترح تعديلا بخصوص القوانين، وأضافت الجمعية ضمن مقترحاتها في باب الشراكة مع المجتمع المدني تعزيز آليات التواصل مع المواطنين من خلال الموقع الرسمي لمجلس النواب، سواء فيما يتعلق بالتعليق على اقتراحات القوانين قيد المناقشة أو التواصل المباشر مع النائبات والنواب.

البرلمان كفضاء للديموقراطية التشاركية

أكدت مريم بليل، مديرة مشروع “نوابك” بجمعية “سمسم مشاركة مواطنة،” عدم وجود علاقة واضحة ومؤسسة وقانونية بين المجتمع المدني والبرلمان. وأوضحت المتحدثة نفسها أن “المقتضيات المتعلقة بالديموقراطية التشاركية والمتعلقة بملتمسات التشريع بينت عن عجزها بالنظر إلى غياب تجربة إيجابية في مجال تقديم الملتمسات، منذ دسترتها سنة 2011.”

على مستوى آخر، يضم النظام الداخلي لمجلس النواب مادة فريدة تتناول علاقة المجتمع المدني بالبرلمان. وتشير هذه المادة إلى أهمية توطيد هذه العلاقة غير أنها لم تشر إلى طبيعة هذه العلاقة ومحدداتها.

وأشارت مريم بليل إلى كون ما ينبغي أن تقوم عليها هذه العلاقة هي أسس التعاون، لأن البرلمان في نهاية المطاف هو تمثيلية للشعب ومؤسسة تضطلع بمهام على رأسها التشريع والرقابة وتقييم السياسات العمومية، ولا يمكنها أن تقوم بهذه المهام دون المجتمع المدني كهيئات تشاورية مدنية.

العلاقة بين البرلمان ومؤسسات المجتمع المدني أفرزت كذلك الحديث عن الثقة في الفاعل السياسي وفي المؤسسات السياسية. وتقول مريم بليل إن العجز المسجل في مستوى الثقة هو عجز عالمي، وحسب ما ذكرته، فقد تم ابتكار الديموقراطية التشاركية لمساندة الديموقراطية التمثيلية والرفع من مستوى أدائها. وتضيف: “للأسف فالديموقراطية التشاركية في المغرب باءت بالفشل، إذ أن هناك إشكالات على مستوى العرائض والملتمسات، بالإضافة إلى تجارب قليلة إلى مندثرة.”

وبالإضافة إلى مسألة الثقة، تطرح العلاقة بين البرلمان وهيئات المجتمع المدني، موضوع الحق في الحصول على المعلومة، حيث أشارت مريم بليل إلى أن المؤسسة البرلمانية، باعتبارها صوتت على هذا القانون، يجب أن تكون المثال الأبرز على ضرورة وجود تعاون ونشر استباقي للمعلومات وتفاعل بشأن القوانين. كما أكدت أن هيئات المجتمع المدني يمكنها أن تلعب دورا آخر في التعاون مع البرلمان في الرقابة على الحصيلة البرلمانية، وبالتالي المساهمة في تمكين البرلمان من تحسين أدائه. 

تعزيز العلاقة مع المجتمع المدني، سيساهم، حسب مريم بليل، في تعزيز الديموقراطية وبلورة رأي المجتمع داخل المؤسسة التشريعية وفي الرقابة على أداء الحكومة وهنا تظهر أهمية تعزيز العلاقة بين المجتمع المدني والبرلمان “وأعطي مثالا للتوضيح: مثلا، لدينا قانون
النساء في وضعية إعاقة، ونريد إخراج قانون إطار لدعمهن، وإذا استحضرنا هيئات المجتمع المدني التي تعنى بهذه الفئات فهي أدرى بالإشكالات التي يجب أن يعالجها هذا القانون وسيكون الأداء أحسن. لذلك فالانفتاح وتعزيز دور مكاتب الدراسات والهيئات الدستورية والجامعات المغربية والصحافة لن يساهم إلا في تعزيز مستوى الثقة و تعزيز أداء هذه المؤسسات أيضا.”

المجتمع المدني وتقييم السياسات العمومية

في تصريح خصنا به، ذكر أحمد بوجداد، أستاذ مادة تحليل السياسات العمومية بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، أنه بعد أن أضحى موضوع تقييم السياسات العمومية ينخرط في مجال تحديث  تدبير الدولة و إصلاحها،  وأصبح التدبير العمومي الجديد أداة لا غنى عنها
لصناع القرار لضمان نجاح و فعالية سياساتهم، لا يمكن اليوم نكران الأهمية البالغة التي يساهم بها المجتمع المدني في إعداد و تقييم السياسات العمومية لما تمتلك مكوناته من تجارب و كفاءات علمية و عملية في الغالب تأتي لتتكامل مع باقي المتدخلين في هذا المجال.

وحسب الأستاذ أحمد بوجداد، فإن “اعتماد مقاربة السياسات العمومية في تدبير الشأن العام، تبين أن مساهمة المجتمع المدني في إعداد السياسات العمومية ضرورية وأساسية لنوعيتها ولخصوصيتها، حيث تعكس مجمل الانشغالات واهتمامات مختلف الشرائح الاجتماعية وتساهم أيضا في انخراط المجتمع في دينامية السياسة العمومية.”

وأضاف بوجداد أن المجتمع المدني لا يساهم في تقييم السياسات العمومية فقط، بل يساهم في جميع مراحل بناء السياسات العمومية، من الإعداد إلى التقييم، ومن الاستشارة والتشخيص إلى اتخاذ القرار وتنفيذه وصولا إلى مرحلة التقييم.“

وفي ختام كلامه، ذكر أستاذ تحليل السياسات العمومية أن أهمية مشاركة المجتمع المدني في إنجاح وتقويم مسار إعداد السياسات العمومية تتجلى في قيام عدد من الدول بالنص في تشريعاتها على ضرورة إشراك المجتمع المدني في جميع مراحل إعداد السياسات العمومية، وقد أبانت عدد من التجارب الدولية على النجاحات المحققة في هذا المجال بفضل مساهمة المجتمع المدني.”

البرلمان والمجتمع المدني..أية علاقة؟

الحديث عن العلاقة بين البرلمان والمجتمع المدني يفرض الحديث عن الديموقراطية التشاركية والحوار. العديد من الباحثين فكروا في فتح قنوات تواصلية بين المؤسسات النيابية والمجتمع المدني خارج العلاقة التقليدية بين الناخب والمؤسسة التشريعية المحصنة بمشروعيتها طوال مدة ولايتها، إذ يمكن لمؤسسات وممثلي المجتمع المدني أن يساهموا في العمل البرلماني المتمثل في التشريع، المراقبة، وتقييم السياسات العمومية.

وتتعلق المشاركة، حسب باحثين، بتواصل النائب مع الناخبين واستشارته لمؤسسات المجتمع المدني وعقد جلسات استماع دورية لممثلي وخبراء المجتمع المدني في اللجان والجلسات العمومية. وعلى الرغم من أن علاقة المجتمع المدني بالبرلمان تطرح إشكالا متعلقا بمدى تمثيلية هذه المؤسسات لشريحة مجتمعية واسعة وبمدى استقلالية هذه المنظمات عن السلط السياسية أو عن سلطة جهات اقتصادية قد تكون لها رغبة في ممارسة الضغط على العمل التشريعي أو توجيهه.
يقترح أولئك إصدار تشريعات برلمانية تراقب مصادر دخل مؤسسات المجتمع المدني الساعية للمشاركة في العمل التشريعي وتحدد “بوضوح وشفافية” قنوات هذه المؤسسات لتفادي تحولها إلى وسيلة ضغط وراءها جهات اقتصادية وأصحاب نفوذ. 

وتعد قضايا حقوق الإنسان أكبر مجالات التواصل بين البرلمان والمجتمع المدني، حيث تتجه العديد من مؤسسات المجتمع المدني إلى تحضير عرائض وملتمسات توجه للمؤسسة التشريعية. وأشار دليل الممارسة الجيدة الذي أعده الاتحاد البرلماني الدولي بوضوح إلى العلاقة بين المجتمع المدني والبرلمان وأوضح ضرورة وجود سجل عام للمنظمات غير الحكومية والخبراء والمعنيين لتقديم ملاحظاتهم وعرض أدلتهم وإبداء الآراء وملاحظات شريطة أن يكون هذا السجل متاحا للجمهور.

يتضح إذن أن علاقة البرلمان بالمجتمع المدني، في السياق المغربي، علاقة تشوبها الضبابية وعدم الوضوح، خاصة بعد أن بينت المقتضيات المتعلقة بالديموقراطية التشاركية والمتعلقة بملتمسات التشريع عن عجزها. وهذا ما طرح مقتضيات جديدة فرضت نفسها لخلق توازن، نسبيا، بين هذين الطرفين.

يعتبر الأستاذ أحمد مفيد، مدير مركز الدراسات بمجلس النواب، أن العلاقة بين البرلمان والمجتمع المدني يجب أن تقوم على مجموعة من الأسس المنصوص عليها في الدستور والتي ذكر من بينها مبدأ المشاركة المواطنة، ومبدأ الشفافية، ومبدأ الحق في الحصول على المعلومة. ولكون البرلمان ممثلا للأمة، فإن التمثيلية، حسب الأستاذ مفيد، تعد من أهم أسس العلاقة بين البرلمان والمجتمع المدني، وهذه التمثيلية تقتضي نقل مطالب المجتمع والتعبير عنها داخل المؤسسة البرلمانية وايجاد الحلول اللازمة لمعالجة جميع المشاكل الاقتصادية والاجتماعية. ويضيف قائلا إن “العلاقة بين البرلمان والمجتمع تقوم على أساس المساءلة والمحاسبة، وذلك ما يتحقق عن طريق الانتخابات التي تعد حقا دستوريا وموعدا سياسيا لتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.”

وأكدت الأستاذة إلهام الساقي، عضو مجلس النواب، أن توطيد علاقة البرلمان بهيئات المجتمع المدني وانفتاحه سوف يساهم في تعزيز الشفافية والحكامة وتقوية العلاقة بين الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية. فقد أشارت إلى أن الأيام الدراسية التي ينظمها البرلمان أو الفرق النيابية غير كافية باعتبار أن جمعيات المجتمع المدني بمختلف مجالات اشتغالها شريكا أساسيا للمؤسسات المنتخبة من أجل تحقيق التنمية، على الرغم من الحق في تقديم العرائض إلى السلطات العمومية والملتمسات في مجال التشريع إلى البرلمان إلا أنه يجب بذل مجهودات مضاعفة من أجل فتح قنوات للحوار والتواصل الدائم والانفتاح لتمكين هيئات المجتمع المدني للإدلاء بملاحظاتهم وتقديم آرائهم ومقترحاتهم في مجموعة من المواضيع منها ما هو متعلق بالتشريع. واعتبرت الساقي أنه “من أجل دولة قوية ومجتمع مدني فاعل من الضروري تقوية الديمقراطية من خلال مشاركة المواطن في صنع القرار مما يستدعي الانفتاح على كافة مكونات المجتمع المدني الذي بدوره يجب أن تكون مشاركته فاعلة وبناءة في العمل البرلماني الممثل في التشريع ومراقبة عمل الحكومة وتقييم السياسات العمومية.”

إعداد خديجة بوفوس طالبة بالمعهد العالي للإعلام والاتصال

 

يشارك هذا المقال في مسابقة أحسن مقال صحفي حول العمل البرلماني.
تنظيم جمعية سمسم- مشاركة مواطنة – مشروع نوابك للتواصل البرلماني.

اقرأ أيضا