كافي بوليتيكو 12: دور الثقافة في تشكيل وعي المجتمع

زيزي: علينا أن نقوم بقطيعة ونفكّر في الوطن أولا

جليد: نحتاج أشكالا جديدة من الوساطة بين المبدع والمتلقي

الزاوي: التلفزة العمومية تعكس رؤية السلطة لما يجب أن يكون عليه الأمر

في أولى حلقات سلسلة جلساته الرمضانية الأسبوعية، استقبل برنامج “كافي بوليتيكو” في الحلقة 12 التي جرى بثها مباشرة عبر المنصات الإلكترونية ليلة الجمعة 23 أبريل 2021، كلا من السيدة أمينة فوزي زيزي، نائبة برلمانية عن لجنة التعليم والثقافة والاتصال، والسيد ياسين الزاوي، المسرحي والأستاذ الباحث في الفنون البصرية، والسيد محمد جليد، الصحافي المتخصص في الشأن الثقافي.

ابتذال أم ضعف؟

أول محاور هذه الحلقة، خصص لتعريف الثقافة والفعل الثقافي، حيث اعتبر الصحافي محمد جليد أن للثقافة تعاريف مختلفة، اختار منها ذلك الذي يقول فيه المفكر المغربي الراحل محمد عابد الجابري، إن الثقافة هي ما يبقى بعد أن يندثر كل شيء. واعتبر جليد أن هذا التعريف يلتقي بمعنى الثقافة كحياة يومية للإنسان. 

من جانبه المسرحي ياسين الزاوي قال إننا نعيش مرحلة تاريخية تستدعي الكثير من التأمل والنظرة الشاملة، “فمفهوم الثقافة نفسه أصبح صعب التحديد في العصر الرقمي، وإذا كان الجابري قد عرف الثقافة بما يبقى حين يندثر كل شيء، ففي العصر الرقمي لم يعد هناك شيء يندثر، بل أصبح كل شيء يسجل ويخزّن”. أما النائبة البرلمانية أمينة فوزي زيزي، فأوضحت أن لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب، تعرف نقاشا دائما حول موضوع الثقافة، “لأننا نؤمن أنها عنصر أساسي ورئيسي يساهم في النهوض بالمجتمعات، وأنها يجب أن تكون عنصرا أساسيا في التنمية”.

وفي قراءة وصفية للوضع الثقافي بالمغرب، شدّد الصحافي محمد جليد على ضرورة انتقاد “هذا الطفح من الابتذال الذي أصبح يميز الأعمال التي تبثها القنوات التلفزيونية بالخصوص في شهر رمضان، فبناء الإنسان لابد أن يقوم على عمل ثقافي جاد ورصين، ولا يمكن أن نتطور ونواصل وجودنا الفردي والجماعي في غياب الثقافة”. وعن كيفية التمييز بين الثقافة الرصينة وتلك المبتذلة، قال جليد إن هناك سمات أربع أساسية للعمل الثقافي والإبداعي الرصين، “وهي القوة والجمالية والعمق المعرفي أولا، ثم ما إن كان هذا العمل يبني فكرة أو موقفا سياسيا أو موضوعيا، وثالثا هل غايته هي التربية والمساهمة في الجانب البيداغوجي للإنسان، وأخيرا جانب الفرجة”.

بينما اعتبر المسرحي ياسين الزاوي أننا “حين نقول الابتذال فإنه من الناحية الواقعية يصعب تحديد ما هو مبتذل، بينما يمكننا أن نتحدث عن الضعف التقني والفني، فما يبدو ظاهريا مبتذلا قد لا يكون كذلك في حقيقة الأمر”. وفي مقابل إشارة الزاوي إلى عنصر التحوّل الرقمي الذي أصبح مؤثرا في طبيعة ونوعية الفعل الثقافي، قال جليد إن هناك ما هو أكثر من التحول التكنولوجي المرتبط بوسائل الاتصال الجديدة، “هناك هذه النزعة المركانتيلية التي تغير الإنسان وتحوله من وضعه البدائي وتقذف به الى عالم جديد له معايير وضوابط مغايرة تماما، ووسائط الاتصال هي مجرد أدوات تساعد على هذا الانتقال”. هنا، حسب محمد جليد، يقع نوع من الحيرة في النظر الى الثقافة، “وهناك من يرى أننا إزاء تحوّل مسخ، من الثقافة الصلبة إلى ثقافة سائلة”.

إهمال رسمي للثقافة

النائبة البرلمانية أمينة فوزي زيزي، توقفت بأسف شديد عند معطى ضعف الميزانية المرصودة لقطاع الثقافة في المغرب، موضحة أن سنة 2019 شهدت ارتفاعا طفيفا في ميزانية وزارة الثقافة، بنسبة 3 في المائة، لتصل الى حوالي 759، “وهو ما يسمح فقط بالتسيير اليومي لبعض المرافق الثقافية دون أن نفكر في سياسة عمومية ثقافية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، أي أننا نفتقد للاستثمار الحقيقي في المجال الثقافي لضعف الميزانية المخصصة له”. 

وشدّدت النائبة البرلمانية على أن المسؤول السياسي لا يعتبر الثقافة قطاعا استثماريا ولا يمنحه الأهمية التي ينبغي ان تعطى له. “وللأسف الشديد المحتوى المنشور عبر الانترنت لا يمنحنا مرتبة مشرفة مقارنة بدول أخرى، والدليل هو "الطوندونس” المغربي ومآله المعروف".

المسرحي والباحث في الفنون البصرية ياسين الزاوي، قال من جانبه إن تعامل السلطة مع الثقافة يرتبط بالإرادة، “وإذا لم تتوفر فإن الوضع سيظل على حاله وسنكرر نفس المضامين التي نعتبرها تافهة ورديئة، والتلفزة العمومية تعكس رؤية السلطة لما يجب أن يكون عليه الأمر”. وأوضح الزاوي أن علاقة الثقافة بالسلطة قديمة وتعود الى حضارات ما بين النهرين، “ففي السابق كانت الثقافة الصلبة حكرا على نسبة قليلة جدا من المجتمعات، وكان المتعلم هو الفقيه الذي يعرف كل شيء ويطلع على مختلف المجالات، وكان هذا الوضع يريح السلطة، أي أن تكون غالبية الشعب خارج الفعل الثقافي ما يحوله الى قطيع يسهل توجيهه، أما في العصر الحديث وبتوفر المعلومة وتوسيع نسبة المتعلمين كان لابد للسلطة أن تفكر كيف يمكنها أن تحكم الشعب وهذا دور الادب والفكر في تشكيل التمثلات الذهنية”.

الدعم.. معضلة الترقيع

موضوع الدعم العمومي الموجه للإنتاجات الثقافية والفنية استأثر بقسم من النقاش، حيث اعتبرت النائبة البرلمانية أمينة فوزي زيزي أن سياسة الدعم عموما تظل سياسة ترقيعية، “ورغم أنها أعطت زخما في الإنتاج من حيث الكم، إلا أن الملاحظ هو أن تلك الإنتاجات تبقى حبيسة رفوف وزارة الثقافة وبالتالي هو هدر للمال العام”. وعن مسؤولية المبدع والفنان في المشاركة في هذا النهج الترقيعي، قالت زيزي إن “من الصعب تحميل المسؤولية للمبدع او الفنان لأننا لا نتوفر على صناعة ثقافية، بل هناك مواعيد روتينية تشكل مورد الرزق الوحيد بالنسبة إليه”.

وفي نفس الاتجاه، ذهب ياسين الزاوي إلى أن الدعم في المغرب معضلة حقيقية، “لنتخيل فقط أنه إذا توقف اليوم الدعم العمومي سينقرض قسم كبير من الإنتاج الثقافي، ولن يصبح هناك أي إنتاج مسرحي مثلا”. وأضاف الزاوي جوابا عن سؤال الاستقلالية، أنه إذا كان هناك إنتاج فني معين ممول من طرف جهة معينة، هي الدولة في هذه الحالة، “فإنك لن تنتج ما يخالف رغبة الممول. أما القطاع الخاص في المغرب فلا وجود له نهائيا في مجال الإنتاج الفني والثقافي، 99 بالمائة من الانتاجات السينمائية مثلا هي من تمويل الدولة، بينما يفترض في الصناعة الثقافية أن تكون مستقلة ويكون الدعم استثناء وتكميليا. الدعم عندنا يقطع كل صلة بين المبدع والمتلقي حيث لم يعد هناك اليوم من يبيع تذكرة المسرح مثلا”.

فيما تطرق محمد جليد إلى موضوع الدعم في الشق الخاص بالكتاب، حيث قال إنه يعطى مباشرة للناشر بينما هو ليس مبدعا، وفي المقابل يحرم المبدع من هذا الدعم، “ثم هناك تفاوت في قيمة الدعم، فما يقدم للإنتاج السينمائي هو دعم ضخم بينما الدعم المقدم للكتاب هزيل جدا”. وخلص جليد بهذا الخصوص إلى أن مسألة الدعم تثير ملاحظتين أساسيتين: الأولى تهم زيادة الإنتاج سواء في السينما أو المسرح أو موسيقى والكتاب والتشكيل؛ والثانية أن الانتاجات لم تعد تتميز بالرصانة والعمق والقوة الجمالية والمعرفية كما كان الأمر في السابق. 

ونبّه الصحافي المتخصص في الشأن الثقافي، إلى أنه وبالرغم من هذا التراجع العام، “من الصعب القول إن المغاربة لا يقرؤون، وهناك مؤشرات منها ما يتعلق بدور النشر في المغرب التي ارتفع عددها في السنوات الماضية من 40 إلى 83 دارا للنشر وربما أكثر حاليا، ولم تفلس أي دار نشر خلال السنوات العشر الماضية، ثم هناك مؤشر المنشورات المغربية السنوية، حيث كانت في حدود 2400 عام 2014 وانتقلت الى حوالي 4200 في السنة الماضية، ولم يحدث الى انخفاض طفيف في سنة الجائحة وبقيت في حدود 3500 إصدار”.

مداخل للإصلاح

الصحافي المسؤول عن الصفحة الثقافية لجريدة “أخبار اليوم” المتوقفة عن الصدور، دعا إلى إيجاد أشكال جديدة من الوساطة بين المبدع والمتلقي، “لأن الحلقة الأساسية اليوم في هذه المشكلة الثقافية هو هذا الوسيط بين المبدع والمتلقي”. وشدّد جليد على أن دور الإعلام شبه غائب، “وموقفه العام من الثقافة سلبي بدعوى أنها لا تدر مداخيل وهذا غير صحيح، ولهذا يجب أن نخلق مهنة الوكيل الأدبي، هذا الخبير الذي يصنع نوعا من الحلقة الواصلة بين الكاتب والناشر والقارئ”.

من جانبها النائبة البرلمانية أمينة فوزي زيزي، اعتبرت أن الثقافة لا تهم الوزارة المكلفة بهذا القطاع وحدها، “بل هو قطاع عرضاني يجب أن تساهم فيه جميع القطاعات، خاصة التربية الوطنية والاتصال والإعلام العمومي، لكن للأسف هناك عقلية سائدة لدى المسيرين تجعلهم غير مقتنعين بالثقافة كقطاع يمكن الاستثمار فيه وتحقيق الربح منه، وأبسط مثال هو تركيا التي تقوم باستثمارات كبرى وتحقق اشعاع بلادها وتجني أموالا ضخمة من وراء ذلك”. وشدّدت زيزي على أن الواقع الحالي ليس نتاج صدفة، “بل يعبر عن اختيارات، والسؤال هو هل توجد لدينا إرادة لإنتاج انسان واع ومثقف ويعرف ما له وما عليه؟ أم أن ذلك لا يخدم مصالح بعض الجهات. علينا أن نقوم بقطيعة في هذا المجال، ونفكر في الوطن أولا”.

اقرأ أيضا