كافي بوليتيكو 11: من أجل تنزيل أمثل للحق في الحصول على المعلومات في المغرب


مفيد: القانون 31-13 لا يرقى إلى مستوى الوثيقة الدستورية
النكاز: هناك غموض بشأن مهمة الموظف المكلف بإعطاء المعلومات
التايقي: ينبغي تعزيز استقلالية اللجنة المكلفة بالحق في الوصول إلى المعلومة

خصص برنامج “كافي بوليتيكو” حلقته 11 لموضوع الحق في الحصول على المعلومات، والذي تحل في شهر مارس ذكرى صدور القانون المنظم له، والذي جاء سنة 2018 لتفعيل مقتضيات الفصل 27 من الدستور.

وفي الوقت الذي يعدّ الحق في الحصول على المعلومات من الحقوق الأساسية للمواطنين، بمقتضى المعاهدات الدولية والدستور المغربي والقوانين الجاري بها العمل؛ ينظّم هذا الحق وكيفية ممارسته القانون رقم 31.13، الذي يبين الهيئات التي يمكن للمواطنات والمواطنين طلب المعلومات منها، المسطرة الواجب اتباعها، المعطيات المستثناة من هذا الحق والتي لا يمكن الحصول عليها، بالإضافة للجهات التي تسهر على التنزيل الجيد لهذا الحق.

وقد أدلى ضيوف الحلقة في مداخلاتهم، بمجموعة من الآراء والأفكار، وقدموا إضاءات قانونية ومنهجية، هذه أهم مضامينها:

أحمد مفيد، أستاذ القانون الدستوري بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس:

الموضوع في غاية الأهمية نظرا لارتباطه بمسار بناء دولة القانون، حيث لا يمكن الحديث عن دولة القانون دون شفافية ونزاهة وربط للمسؤولية بالمحاسبة. وحين نتحدث عن هذه المبادئ فهي ترتبط بشكل وثيق بمبدأ الحق في الحصول على المعلومة الذي يعتبر من حقوق الإنسان المكرسة في الاتفاقيات الدولية، أساسا الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية. وهنا لابد من التذكير باتفاقية في غاية الأهمية، وهي اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، والتي حاولت من خلالها الجمعية العامة للأمم المتحدة وضع مجموعة من الأحكام التي تؤطر الحق في الحصول على المعلومة، ووضعت مجموعة من الالتزامات التي تقع على عاتق الدول الأطراف. 

عندما نص المشرع الدستوري في الفصل 27 على الحق في الوصول إلى المعلومة، أدرجه ضمن باب الحقوق والحريات الأساسية، وبالتالي هو حق من حقوق الإنسان، لكن هناك فصول أخرى من الدستور ذات علاقة مباشرة بالحق في الحصول على المعلومة. فكلما تحدث المشرع عن النزاهة والشفافية فهذا يرتبط مباشرة بالحق في الحصول على المعلومة، وهو ما نجده في الفصل الأول من الدستور بخصوص ربط المسؤولية بالمحاسبة، والفصل 6 والفصل 155…

على مستوى القانون، مع كامل الأسف لم يرقى القانون 31-13 إلى مستوى الوثيقة الدستورية، لأنها جد متقدمة. فالجمعية المغربية لمحاربة الرشوة قالت في أحد بياناتها إنه قانون لمنع الحق في الحصول على المعلومة. لكنه وكيفما كان الحال، هذا القانون أصبح أمرا واقعا ودخل حيز التنفيذ. ومما تحقق حتى الآن، هناك منشور لوزير الوظيفة العمومية والإصلاح الإداري، قبل أن يلحق هذا القطاع بوزارة المالية، ينص على ضرورة تعيين المكلفين بتنفيذ الحق في الوصول إلى المعلومة. كما صدرت دورية لوزير الداخلية، يوجه من خلالها مجالس الجهات ورؤساء مجالس العمالات والاقاليم ورؤساء مجالس الجماعات، لتعيين الأشخاص المكلفين بالحق في الوصول إلى المعلومة، وفعلا تم تعيين هؤلاء الأشخاص وخضعوا لتكوينات. كما تم تشكيل اللجنة الوطنية للحق في الوصول إلى المعلومة مع جعل رئيس الهيئة الوطنية لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي رئيسا لها، وهو أمر إيجابي لأن من بين الاستثناءات في مجال الحق في الوصول إلى المعلومة هو المعطيات ذات الطابع الشخصي. لكنني أعتقد أن اللجنة لم تستطع بعد القيام بما ينبغي لها أن تقوم به في تعميم التكوينات وتعميم المعرفة بهدف تملك هذا القانون وتطبيقه بشكل واسع.

هناك إشكال آخر يهم تقديم التظلمات والشكايات، حيث يفرض القانون سلوك مسطرتين للتظلم قبل الطعن أمام القضاء الإداري، التظلم الأول أمام رئيس الإدارة المعنية، ثم أمام اللجنة الوطنية للحق في الوصول إلى المعلومة. ورغم أن المشرع منح آجالا طويلة لسلوك هذه المساطر، فإنني أتمنى أن تعمل اللجنة على تضييقها لتيسير الاستفادة من هذا الحق الذي يعتبر من دعامات الدمقرطة وتفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة.

مسألة الاستثناءات هي موضوعية في مثل هذه القوانين، فحسب مقتضيات العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وحسب اتفاقية الأمم المتحدة لمحاربة الفساد، يمكن أن تكون بعض المعلومات مستثناة من الحق في الوصول إلى المعلومة. لكن الاستثناء يبقى استثناء، والمبدأ هو إتاحة المعلومات. والإشكالية المطروحة هي أن في مقابل قانون الحق في الحصول على المعلومة، هناك قوانين أخرى، مثل قانون الوظيفة العمومية، وبالتالي كان ينبغي جمع الاستثناءات في قانون واحد. وحتى نكون أكثر دقة بشأن بعض الاستثناءات، ففي حالة المجلس الوزاري والمجلس الحكومي، السري هو المداولات وليس الأشغال التي تبقى غير مستثناة من الحق في الوصول إلى المعلومات.

حسن التايقي، عضو لجنة الحق في الحصول على المعلومة:

عرف موضوع إقرار الحق في الوصول إلى المعلومة تعثرات كبيرة ونقاشات عديدة تمثلت في مقترح قانون عرفه البرلمان قبل دستور 2011 ومشاريع أخرى تقدمت بها فرق برلمانية بعد صدوره، ثم جاءت مسودتان لمشروع القانون. وأعتقد أن السبب في هذا التعثر في اعتماد قانون ينزل مقتضيات وأحكام دستورية يرتبط بالأهمية القصوى وحساسية هذا الموضوع.

إقرار الحق في الوصول إلى المعلومة في الدستور جاء ليشكل واحدة من مفاتيح ودعامات بناء عهد جديد من الشفافية وكسر مجموعة من الجدران التي كانت تغلق الإدارة العمومية المغربية وتجعل علاقة المواطن معها علاقة خصومة وتوتر، وهوما كان يؤدي إلى فقدان الثقة في المؤسسات العمومية.

القانون 31-13 بقدر ما شكل امتحانا حقيقيا لإرادة الشفافية والانفتاح بقدر ما يحاج إلى بعض الوقت وإلى التملك من مختلف المتدخلين. فهو يلزم المعنيين به مثلا بتدابير النشر الاستباقي، وإلى الآن مازال هناك تعثر كبير في تنفيذ هذا الحق ونشر كل المعلومات والبيانات خاصة منها تلك التي حددها القانون. كما يستمر التعثر في تعيين الأشخاص المكلفين بتقديم المعلومة، كما نص على ذلك القانون.

منذ تعيين اللجنة من طرف رئيس الحكومة حاولت ان تشتغل بوتيرتين: الأولى تهم المكانة القانونية والمؤسساتية والتي تعرف نقاشا كبيرا، وفي الوقت الذي تؤكد المعايير الدولية على أهمية استقلال هذه الهيئة، وتفرض شروطا على تركيبتها، تعتبرها الحكومة مجرد لجنة تقنية؛ أما الثانية فتهم الجانب التدبيري حيث تحتاج اللجنة إلى إمكانيات وموارد بشرية… وقد عملنا منذ البداية على إعداد نموذج طلب المعلومات وتنظيم العديد من الدورات التكوينية ومجموعة من الشراكات والاتفاقيات مع قطاعات حكومية، ونحن حاليا بصدد وضع اللمسات الأخيرة على التقرير السنوي الأول، والذي يغطي فترة سنتين ونتمنى ان يقدم بمناسبة الذكرى الثانية لإحداث اللجنة.

توصيات اللجنة ليست لها أية قوة ملزمة وبالتالي هذا تهميش للجنة، إلى جانب تمثيليتها التي تحتاج إلى مراجعة مع حضور القضاة، كما ينبغي تعزيز استقلالية اللجنة حتى تمارس وظيفتها بالحياد المطلوب.

زبيدة النكاز، استاذة المالية العامة بكلية الحقوق فاس:

يعتبر القانون 31-13 المتعلق بالحق في الوصول إلى المعلومة، مكسبا بالنسبة للمواطنات والمواطنين، لأننا في السابق لم نكن نتوفر أصلا على مثل هذا القانون حتى يستند عليه المواطن في ممارسة حقوقه، رغم الثغرات التي يتضمنها هذا النص. وأشير إلى أن مسالة النشر الاستباقي للمعلومات، نصت عليه قوانين أخرى قبل هذا القانون، فعلى مستوى القوانين التنظيمية للجماعات الترابية تجبر المجالس على نشر الميزانية كي يطلع عليها المواطنات والمواطنين، كما أن مداولات وقرارات المجلس يجب نشرها، وتقارير تنفيذ الميزانية تحال نسخ منها على العامل والوالي ثم نشرها. أي أن القائمين على تسيير الشأن العام ملزمين بالنشر الاستباقي لبعض المعلومات، لكن السؤال يبقى هو هل يتم ذلك فعلا؟ 

توجد جهة يمكنها أن تدخل على الخط لتراقب مسألة الحق في الحصول على المعلومة وتعرّف المواطنين بهذا الحق، وهي جمعيات المجتمع المدني التي يمكنها ان تطالب بالحصول على المعلومات في المجال المالي، خاصة أن الفصل 12 من الدستور يتحدث عن مساهمة الجمعيات في إعداد القرارات وتتبعها وتقييمها، وهي تحتاج إلى المعلومات حتى يمكنها أن تشارك.

الملاحظ أن المغرب من خلال ما يعرف بمؤشر الميزانية المفتوحة، يتخلف مقارنة بكثير من الدول العربية التي تعتبر من نفس المستوى، وقد حاول تدارك هذا الامر من خلال ميزانية المواطن التي تنشر عبر موقع وزارة المالية، لكن هل المواطن العادي قادر على قراءة وفهم وتتبع تلك المؤشرات؟ فالمجال المالي هو في الوقت نفسه شديد التعقيد وفي الوقت نفسه شديد القرب من المواطن. ومن بين التساؤلات التي يثيرها هذا الموضوع، هو مدى صحة المعلومات التي يتم نشرها، وما إن كان ما يتم نشره يتم تفصيله على المقاس.

هناك جوانب يكتنفها الكثير من الغموض في هذا القانون، منها ما يتعلق بالموظف المكلف بإعطاء المعلومات، هل يتخذ القرارات ويتحمل مسؤوليتها لوحده أم يخضع للتسلسل الإداري لرؤسائه. وحين يتخذ القرار هل ستتم متابعته أم يتابع رئيسه؟ يجب تحديد الجهة المسؤولة حتى يمكن ربط المسؤولية بالمحاسبة وتحقيق الشفافية والوضوح.

المجلس الأعلى للحسابات.. ضمانة ممكنة لتفعيل القانون؟

عرفت هذه الحلقة من برنامج “كافي بوليتيكو” طرح فكرة اللجوء إلى المجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية التابعة له، لتدارك النقص المسجل في تفعيل مقتضيات القانون الخاص بالحصول على المعلومة. 

مقترح رحّب به عضو اللجنة الوطنية للحق في الحصول على المعلومة، حسن التايقي، والذي قال إنه واستحضارا لتلازم المحاسبة وممارسة المسؤولية الذي جاء به دستور 2011، “من الطبيعي أن نجد أن المشرع عزز دور المجلس الأعلى للحسابات خاصة في مجال التسيير، لهذا سيشكل المجلس بشكل موضوعي دعامة أساسية وجوهرية للجنة الحق في الوصول إلى المعلومات، خاصة أن المجلس في تقريره لسنة 2018 توقف بشكل كبير واعتبر أن تأخر صدور قانون الحق في الوصول إلى المعلومات جعل العديد من المؤسسات والهيئات لا تقوم بالنشر الكلي للمعلومات والمعطيات التي يحتاجها المواطنون والأكاديميين والقطاع الخاص، وأصدر توصية بالعمل على نشر العديد من البيانات خاصة منها ما يتعلق بالشفافية المالية ورقابة المال العام…”.

وأضاف التايقي أنه وحتى في القانون التنظيمي للجماعات “نجد أحكاما واضحة تلزم رؤساء الجماعات الترابية بتقديم آخر تقرير للمجلس الجهوي للحسابات في الدورة اللاحقة، والغريب في الأمر أن رؤساء الجماعات لا يطلعون حتى أعضاء المكتب على هذا التقرير، وهنا يأتي دور المجلس الأعلى للحسابات كدعامة مهمة لإعمال هذا الحق”.

من جانبه أستاذ العلوم السياسية أحمد مفيد، نبّه إلى أن لجنة الحق في الحصول على المعلومة هي نفسها تخضع لمراقبة المجلس الأعلى للحسابات، لأنها ممولة من المال العام. “كما أن المجلس الأعلى للحسابات هو هيئة للمراقبة وليس الترافع أو الوساطة، وهو مؤسسة مستقلة، والفصل 147 من الدستور منحه مهمة تدعيم وحماية مبادئ وقيم الحكامة الجيدة والشفافية والمحاسبة بالنسبة للدولة والأجهزة العمومية"، يقول أحمد مفيد. 

وأضاف أستاذ القانون الدستوري بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، أن كل ما سلف يرتبط بالحق في الحصول على المعلومة، "زيادة على أن الدستور يقول إن المجلس الأعلى للحسابات يقدم مساعدته للبرلمان وللقضاء والحكومة، أي كل السلطات الدستورية. كما يمكن للحكومة أو البرلمان أو السلطة القضائية أن يطلبوا منه إعداد تقرير في مجال معين، كما يمكنه بمبادرة منه أن يقوم بإعداد تقارير على شاكلة تقريره حول البرنامج الاستعجالي لإصلاح التعليم أو تقريره حول نظام المقاصة أو تقاريره حول مالية الأحزاب، أو تقريره حول مشاريع "الحسيمة منارة المتوسط” الذي وبعد تقديمه تم ترتيب المسؤوليات بناء عليه".

وخلص أحمد مفيد إلى أنه وبناء على تقارير المجلس الأعلى للحسابات تحال عدد من الملفات على غرف جرائم الأموال، “وهنا لابد من التذكير بأن جمعيات المجتمع المدني يمكنها بنا على تقارير المجلس ان تثير بعض القضايا بل ويمكنها أن تنتصب كطرف مدني لإحالة بعض القضايا على الجهات المختصة وتحريك الدعوى العمومية”.

بدورها زبيدة النكاز، أستاذة المالية العامة، وبعدما نبّهت إلى كون المجلس الأعلى للحسابات ومجالسه الجهوية “لا تلزم الإدارات العمومية بأي شيء، حتى في القرارات المتعلقة بالتدبير المالي لهذه المجالس اختصاصات معروفان: الاختصاص القضائي الذي يفيد البت في الحسابات وتدقيق الميزانية والتأديب وإنزال غرامات فقط، والاختصاص الإداري في مراقبة التسيير فهي تصدر توصيات فقط. بالتالي فالقانون لا يسمح لهذه المطالب بإلزام الإدارات بتنفيذ مقتضيات قانون الحق في الوصول إلى المعلومة"، عادت الأستاذة المتخصصة في الشأن المالي لتشير إلى أن المجلس الأعلى للحسابات "قد يكون هو الهيئة الخاصة بالنشر الاستباقي للمعلومات، وبالتالي يحصل المواطن على المعطيات من خلال التقارير التي ينشرها”.

اقرأ أيضا