كافي بوليتيكو المحلي- قانون الأسرة: هل آن أوان التغيير؟

image

كثيرةٌ هي القضايا التي تدعو الحركة الحقوقية بالمغرب إلى مراجعتها كلما مرّ على تطبيقها ما يكفي من الوقت لتنكشف، من جديد، التحولات الاجتماعية والثقافية والسياسية التي يعرفها المجتمع. ومدونة الأسرة جزء من القضايا المجتمعية التي تأخذ اليوم حيزا كبيرا من النقاش السياسي والحقوقي الذي يحيلُ على ضرورة مراجعة وتعديل العديد من المقتضيات التي لا تتماشى وتطلعات الحركة الديمقراطية في مغرب القرن الواحد والعشرين. 

وإذا كانت مدونة الأسرة قد أحدثت طفرة حقوقية سنة 2004 داخل النسيج المغربي، بفضل نضالات الحركة النسائية بمختلف مكوناتها لتعديل مدونة الأحوال الشخصية لتعزيز حقوق النساء بما ينسجم مع التطلعات النسائية العالمية، فإن الحاجة اليوم تبدو ملحّة لإعادة فتح النقاش العمومي حول المدوّنة، بعد 18 سنة من التطبيق، ومع تزايد المطالب الحقوقية بإقرار المساواة الفعلية بين النساء في الرجال على مستوى مختلف الحقوق الإنسانية.

وتنطلقُ الأصوات الداعية إلى مراجعة مقتضيات مدونة الأسرة من المرجعية الدستورية، انطلاقا من الفصل التاسع عشر الذي دستر المساواة بين الجنسين في مختلف الحقوق، وبموجبه تم إحداث الهيأة المكلفة بالمناصفة ومحاربة جميع أشكال التمييز التي وردت في الفصل 164 من دستور 2011، إضافة إلى المواثيق الدولية المرتبطة بحقوق النساء والتي صادق عليها المغرب.

لكنّ الصوت الآخر الذي يواجه الأصوات الداعية إلى تعديل المدونة، هو صوت ينطلق من مرجعية الدين الإسلامي، التي تعتبر مسّ قضايا بعينها هو مسٌّ مباشر بالدين الإسلامي، كما يتعلق الأمر بالإرث، تعدد الزوجات، النفقة. وإلى جانب هذه الإشكالات التي يبدو لجزء كبير من الحركة الحقوقية بالمغرب أنها لا تنسجم مع الدستور ومع المواثيق الدولية، تنضاف إشكالية زواج القاصرات، من خلال المادة 20 التي تأذن لقاضي الأسرة المكلف بالزواج بتزويج فتاة أو فتى دون بلوغ سن الأهلية الذي يحدده القانون في المادة19 بحيث لا يقل سن المأذون له عن 18 سنة.

من هنا تعلو المطالب النسائية بإلغاء الفصل 20 الذي تعتبره يُسهم في حرمان الطفولة من الحق في التعلم وفي الحياة وحتى في السلامة الجسدية والنفسية، يحوّل الاستثناء إلى القاعدة، وهو ما تبرزه التقارير الخاصة بزواج القاصرات، بما يسائل التزام المغرب بمقتضيات الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل الذي يعتبر طرفا فيها.

من جهة أخرى، يبقى كذلك تعدد الزوجات من الإشكالات التي تأخذ حيزا من النقاش حول مدونة الأسرة، وتعالي الأصوات الداعية إلى إلغائه، كما دعا إلى ذلك الفقيه علال الفاسي في أربعينيات القرن الماضي. هذا إلى جانب إشكاليات الولاية الشرعية، النفقة، اقتسام الممتلكات بين الزوجين، إلى جانب الطلاق، باعتبارها قضايا تدعو بعض الأصوات المحافظة إلى إشراك الهيئات الدينية في الاستشارة حولها، والبحث عن التوافق مع كل المتدخلين.

وإذا كانت وزارة العدل قد فتحت ورش تعديل مدونة الأسرة، بما يعزز حقوق المرأة والطفل والأسرة مع التحفظ على ما يستوجب العودة إلى المجلس العلمي الأعلى، فإن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، فتح نقاشا عموميا موسّعا حول مراجعة مدونة الأسرة، التي أكد أنها تتضمن مقتضيات تمييزية على مستوى الولاية على الأطفال، توزيع الموال المكتسبة في حالة الطلاق أو وفاة أحد الزوجين، المادة20 التي تتعارض ومسألة المصلحة الفضلى للطفل، إلى جانب مسطرة التطليق للشقاق التي تتسبب في العنف الزوجي بسبب الآجال الزمنية التي تتطلبها الدعوى. وبذلك أطلقت المؤسسة الدستورية استطلاع رأي خلال الشهر الماضي على منصة “أشارك” التابعة للمجلس، لإبداء المواطنين والمواطنات رأيهم بشأن المقتضيات التي تمت الإشارة إليها سابقا.

وقد أبرزت نتائج الاستطلاع الذي شارك فيه 1290 شخصا، أن 80 في المائة يدافعون على المساواة في  الولاية على الأبناء بين الزوجين، 48 في المائة أكدوا على أن إبرام وثيقة للتوزيع المنصف للأموال المكتسبة بين الجنسين يجب أن يكون إلزاميا، 62 في المائة من المشاركين أكدوا على ضرورة إلغاء أي إمكانية لتزويج القاصرين دون النص على أي استثناءات بخصوص ذلك، وبخصوص الآجال القانونية للحكم بالتطليق، فإن 48 في المائة من المشاركين في الاستطلاع أكدوا على أن الآجال لا يجب أن تجاوز ثلاثة أشهر.

على ضوء هذه المعطيات وفي انتظار افتتاح الدورة الربيعية للبرلمان، الذي قد يعرف مناقشة مشروع قانون لتعديل مقتضيات المدونة، فإن السؤال اليوم يتعلق بالحاجة إلى تقييم نقدي لحصيلة عقد ونصف من التطبيق، وبذلك نُقسِّم محاور نقاش حلقة كافي بوليتيكو إلى أربعة محاور:

1 مدونة الأسرة بين المرجعية الإسلامية والمرجعية الحقوقية الكونية.

2مدونة الأسرة وسؤال المساواة.

3 الإشكالات القانونية البارزة في مدونة الأسرة.

4 التوافق المجتمعي حول التعديل ..هل تُعطّل الأصوات المحافظة مراجعة المدونة؟

-أسية العمراني

اقرأ أيضا