كافي بوليتيكو المحلي -الجهوية المتقدمة والعدالة المجالية: كيف نستفيد من دروس الماضي؟

يحدُّد دستور سنة 2011 شكل التنظيم الترابي للمغرب، باعتباره تنظيما لا مركزيا يعتمد على الجهوية المتقدمة، يرتكز على مبادئ التدبير الحر وعلى التعاون والتضامن. وبذلك أفردَ المشرِّعُ بابا كاملا للجهات وباقي الجماعات الترابية يضم 12 فصلا، مقارنة بدستور سنة 1996. 

وينص الفصل 140 من الدستور على اختصاصات ذاتية ومشتركة وفرعية للجهة، ما يجعل التدبير ينتقل من مفهوم “الوصاية” إلى مفهوم “الرقابة"، وتتوفر بذلك الجهة داخل دائرتها على سلطة تنظيمية لممارسة صلاحيتها، إذ أصبح رؤساء المجالس الجهوية هم الآمرين بالصرف.

ويعتبرُميثاق اللاتمركز الإداري، الذي أصدر سنة 2018، آلية مهمة لبناء تنظيم ترابي لامركزي قائم على الجهوية المتقدمة، بما يحقق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة والمتوازنة لمختلف المناطق، ويُسهم في تنفيذ السياسات العمومية للدولة على الصعيد الترابي.

وقد اتضح بعد التنزيل الفعلي للجهوية المتقدمة سنة 2015، بعد استحقاقات 4 شتنبر، أن هذا الورش يعرف تحدّيات ورهانات مرتبطة أساسا بالتنمية الجهوية المندمجة بين متطلبات الفوارق المجالية من جهة وبين رهان المنافسة وجذب الاستثمار من جهة أخرى، إلى جانب اختصاصات الجهة، الحكامة المالية، وغيرها من التحدّيات التي تم استخلاصها خلال المناظرة الوطنية للجهات في دجنبر 2019.

فتقليص الفوارق المجالية يُعتبر من دون شك من أساسيات التنمية المجالية، وتبقى من التحديات التي تواجه تقييم تنزيل ورش الجهوية المتقدمة، من خلال تقييم مدى مراعاة السياسات العمومية الترابية لمبدأ العدالة المجالية بين الجهات من جهة، وداخل الجهة الواحدة من جهة أخرى، باعتبارها شكلا للتنظيم الإداري.

وفي هذا السياق، تمت دسترة إحداث صندوق للتضامن بين الجهات من أجل توزيع متكافئ للموارد وتقليص التفاوتات بينها، إلى جانب إحداث صندوق للتأهيل الاجتماعي من أجل سدّ العجز في مجالات التنمية البشرية والبنيات التحتية الأساسية والتجهيزات، كما نصّ على ذلك الفصل 142 من الدستور.

وشكل مفهوم الدولة الاجتماعية الذي رفعته الحكومة لتنزيل النموذج التنموي الجديد منعرجا جديدا في سياق النقاش العمومي حول دور الجهات في تنزيل المفهوم نفسه، لتحقيق التنمية المستدامة ورفع اللامساواة على مستوى الاستفادة من الخدمات العمومية ومن الثروات بين عموم المواطنين والمواطنات في مختلف المجالات الترابية، لا سيما بعد التداعيات الاجتماعية والاقتصادية لجائحة كورونا.

فهل تجاوزُ الإشكالات المرتبطة بالتنمية المجالية مرتبطة أساسا بإعادة النظر في اختصاصات الجهة الذاتية والمشتركة والمنقولة، أم في إشكالية حكامة التمويل والتدبير؟ أم أنها إشكالية النخب المسؤولة على هذا التدبير؟ أم أن المغرب لا يزال في مرحلة تأسيسية للبعد الجهوي في تنظيمه الترابي؟ 

فإلى أي حدّ يمكن الحديث اليوم عن "مغرب الجهات” ومغرب تكافؤ الفرص في ظل تنامي الفوارق المجالية؟

لمناقشة هذا الموضوع، نقسِّمُ محاور حلقة كافي بوليتيكو إلى:

1 تقييم تنزيل ورش الجهوية المتقدمة بالمغرب 

2 المسألة الجهوية ورهان العدالة المجالية

3 إكراهات التنظيم اللامركزي وتأثيرها على التفاوتات المجالية

4 العدالة المجالية بين شعار “الدولة الاجتماعية” ورهان “مغرب الجهات”

-أسية العمراني

اقرأ أيضا