

تُشكِّل التحديات البيئية صُلب الاهتمامات السياسية لمختلف دول العالم، وضمنها المغرب، الذي يعيش على وقع ظروف مناخية استثنائية بالنظر لقلة التساقطات خلال السنة الجارية، مما يُنذر بالإشكالية المائية، وبذلك يدق الأمن الغذائي ناقوس الخطر نظرا لارتباطه بالجانب الفلاحي الذي يشكل أبرز دعائم الاقتصاد المغربي.
ولذلك لم تغفل مختلف الترسانات القانونية المنظمة لقطاع الاقتصاد أو الاستثمار الجانب البيئي، فكان أول قانون يراعي هذه المسألة قد صدر سنة 2003 وهو المتعلق بدراسات التأثير على البيئة، الذي تم من خلاله إدماج البعد البيئي في السياسة الاقتصادية والاجتماعية لأي نشاط يتعلق بالأشغال والمنشآت والتهيئات الذي قد يلحق التلوث بالمحيط البيئي، كما صدرت قوانين متعددة خاصة بالوقاية من انبعاث الملوثات الهوائية، تدبير النفايات، محاربة تأثير الأكياس البلاستيكية على صحة الإنسان.
وخلافا لكل الدساتير التي عرفها المغرب، فلأول مرة ينص المشرع في الوثيقة الدستورية لسنة 2011 على الحقوق البيئية إلى جانب الحقوق السياسية والاقتصادية والثقافية، مما يبرز أولوية المسألة البيئية إلى جانب مختلف القضايا التنموية من جهة، ومن جهة أخرى فإن هذا الالتزامَ القانوني لا يعدو أن يكون جزءا من مسار الالتزام المغربي بحماية سلامة المواطنين والمواطنين منذ بداية القرن العشرين.
وفي هذا السياق، يعتبر الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة رقم 99.12 من أهم القوانين الخاصة بتنظيم ومراقبة المجال البيئي، لأنه يحدد الأهداف السياسية لحماية البيئة والتنمية المستدامة في الاستراتيجيات والبرامج وتنفيذ السياسات ومخططات العمل من طرف الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية وشركات الدولة وكل الأطراف المتدخلة في مجال البيئة والتنمية المستدامة.
لقد شكلت سنة 2019 مرحلة مفصلية في مسار انخراط المغرب في ورش خدمة قضايا البيئة والتنمية المستدامة باحتضانه للمؤتمر الثاني والعشرين للأطراف في الاتفاقية الإطار للأمم المتحدة حول التغيرات المناخية المعروفة بكوب22، بعد دخول اتفاق باريس حيز التنفيذ الذي يلزم الدول بالتقدم بمبادرات وطنية في مجال حماية البيئة والحد من التغيرات المناخية وهي المرة الثانية التي يحتضن فيها قمة الأطراف بعد تنظيمه لكوب7.
والتزم المغرب حينها بزيادة حصة الطاقات المتجددة إلى 42 بالمائة في أفق سنة 2020 و52 في المائة بحلول سنة 2030 دون إغفال الحفاظ على المحيط البيئي من خلال تجنب انبعاثات غاز ثنائي أكسيد الكربون. وفي سنة 2016 اعتمد المغرب رسميا قانون حظر تصنيع واستيراد وتصدير وبيع واستخدام الأكياس البلاستيكية، بما يسهمُ في حماية الإنسان ومحيطه البيئي.
إن تعهد المغرب بتأمين شروط الانتقال نحو الاقتصاد الأخضر في أفق سنة 2020 باعتماد سياسة وطنية لمكافحة التغيير المناخي وتحسين تدبير وتثمين الموارد الطبيعية وتعزيز المحافظة على التنوع البيولوجي في ظل النذرة المائية التي يعرفها المغرب وأزمة العطش التي تشهدها مدن عديدة تطرح رهان الأمن الغذائي الذي يعتبر تحديا راهنيا في ظل التقلبات المناخية وتنامي الحركات الاجتماعية.
وإذا التزم المغرب من خلال إعلان مراكش سنة 2019 بالعمل من أجل المناخ والتنمية المستدامة والمضي نحو خفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، فإن كوب26 الأخيرة قد دقت ناقوس الخطر على منظومات الدول الصحية وقدرتها على أن تكون منيعة وذات انبعاثات منخفضة من الكربون، ورفعت بذلك تعهد التزام 45 دولة ضمنها المغرب بتحويل أنظمتها الصحية لتصبح أكثر استدامة كما حددت 14 دولة منها سنة 2050 موعداً نهائيا لتحقيق صافي الانبعاثات المنعدمة للكربون.
وبذلك فالمغربُ يبقى ضمن النسق الدولي الذي يفتح مستقبل الصحة على التحديات البيئية بالرغم من تداعيات الوباء وتوالي الأزمات السياسية الدولية. فإلى أي حدّ ستمكنُ بنية المغرب من التأقلم مع الرهانات البيئية التي تفرض نفسها على الأجندة الدولية؟
للتفصيل في هذا النقاش، نقسّمُ محاور حلقة كافي بوليتيكو إلى المحاور التالية:
خصوصية الموقع الجغرافي للمغرب وتأثره بالتغيرات المناخية
تقييم أداء التنمية المستدامة بالمغرب
ندرة الماء، جائحة كورونا، تزايد الاحتباس الحراري ..هل تنذرُ بأزمة بيئية حقيقية؟
التزامات المغرب البيئية على ضوء تعهدات كوب26.
-أسية العمراني