

لم يتعود المواطن المغربي منذ زمن على أن يشاهد
حكومة مكونة من ثلاثة أحزاب فقط، فعلى سبيل المثال، تشكلت الحكومتان الأخيرتان من
أربعة أحزاب فما فوق.
فقد تمكن عبد الإله بن كيران بعد انتخابات 2011
من تشكيل حكومة توافقية من أربعة أحزاب، ضمت كلا من حزب العدالة والتنمية،
الاستقلال، إلى جانب كل من حزب الحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية.
وبعد انتخابات أكتوبر 2016 وتصدر حزب العدالة
والتنمية مجددا لها، كلف ابن كيران بتشكيل الحكومة، غير أنه اصطدم بما سمي آنذاك
بالبلوكاج، بعد أن رفضت عدة أحزاب التحالف معه. وكنتيجة لذلك، عين الملك سعد الدين
العثماني خلفا لعبد الاله بن كيران في مهام تشكيل الحكومة.
وفي ظرف وجيز استطاع العثماني تشكيل حكومة
ائتلافية ضمت كلا من العدالة والتنمية والحركة الشعبية، التجمع الوطني للأحرار
والتقدم والاشتراكية، إلى جانب كل من الاتحاد الدستوري والاتحاد الاشتراكي للقوات
الشعبية.
اليوم، وبعد حلول حزب التجمع الوطني للأحرار أولا
في انتخابات 8 شتنبر، كلف الملك محمد السادس عزيز أخنوش بتشكيل الحكومة، مما أعطى
انطلاقة المشاورات السياسية بين حزب التجمع للوطني للأحرار والأحزاب الأخرى.
وخلافا للحكومتين السابقتين، تم تشكيل الحكومة من ثلاثة أحزاب، هي كل من حزب
التجمع الوطني للأحرار وحزب الاستقلال وحزب الأصالة والمعاصرة.
لم تعجب هذه التركيبة التي تم بها تشكيل الحكومة
عددا من المواطنين والسياسيين، فقد وصل الأمر الى حد نعتها بحكومة “العدوان الثلاثي” على
مستوى مواقع التواصل الاجتماعي. وفي المقابل رحب آخرون بهذه التركيبة، معتبرين
إياها شكلا من أشكال احترام نتائج الانتخابات، خلافا لحالات “البلقنة”
التي كانت سائدة فيما سبق.
عادة ما يتم الاهتمام في الأنظمة الديمقراطية
بشفافية الانتخابات ونزاهتها والأحزاب المكونة للحكومة، غير أنه قلما يتم التركيز
على المعارضة كمكون أساسي في العملية الديمقراطية، يتمثل دوره في التعقيب على
القرارات الحكومية واقتراح خطط ومبادرات بإمكان الحكومة أخذها بعين الاعتبار
والاستناد إليها. وباعتباره بلدا يلتمس طريقه لإحقاق الديمقراطية الحقة، يحتاج
المغرب إلى معارضة قوية ومتماسكة تكون المحلل الرئيس لخطوات الحكومة وصلة الوصل
بينها وبين الشعب، حتى لا يكون الشارع هو المعارضة الوحيدة.
الحكومة تقصي مقترحات المعارضة
تستحوذ الأغلبية الحكومية بمجلس
النواب على 270 مقعدا من مجموع مقاعد المجلس وهو ما يشكل أغلبية مريحة لها، في
الوقت الذي تحوز فيه المعارضة على 124 مقعدا فقط. فتحالف الأغلبية إذن يمتلك
أغلبية مريحة ضمن مجلسي النواب والمستشارين، وبالتالي فذلك ما بإمكانه أن يعينه
على المصادقة على مشاريع أو مقترحات القوانين بكل سهولة. أما المعارضة فعلى الرغم
من عدد مقاعدها القليل بمجلس النواب، مقارنة بالأغلبية، إلا أنها سرعان ما نسقت
فيما بينها ووجهت توصيات جادة للحكومة منذ عرض مشروع قانون المالية على البرلمان
للمصادقة عليه. واشتغال المعارضة هذا يؤطره دستور 2011، الذي نص في فصله الستين
على كون المعارضة مكون أساسي في غرفتي البرلمان، ويشارك هذا المكون في مهام
التشريع ومراقبة عمل الحكومة.
لقد عبرت المعارضة عن
استيائها البالغ حيال استمرار الأغلبية الحكومية في اقصاء وتجاهل مقترحات القوانين
التي تقدمت بها فرقها البرلمانية بمجلس النواب، حيث وصل عدد المقترحات التي تقدمت
بها ما مجموعه 59 مقترح قانون، مما يمثل 85 في المائة من مجموع المقترحات المتقدم
بها بذات المجلس، متهمة إياها في نفس الوقت بتجاهل مقترحات نوابها، وهو ما يتعارض
بشكل تام مع القانون، خاصة وأن الفصل الثاني والثمانين من الدستور يقضي بضرورة
تخصيص يوم واحد على الأقل في الشهر لتدارس مقترحات القوانين المتقدم بها بمجلس
النواب.
وفيما يخص التشريع، أشارت
المعارضة إلى وجود تباطؤ حكومي اعترى مسلسل التشريع، وهو ما سمته بهزالة الأداء
التشريعي للحكومة بالدورة التشريعية الخريفية. كما سجلت المعارضة اقتصار مشاريع
القوانين المتقدم بها من طرف الحكومة والمصادق عليها بمجلس النواب على 3 نصوص
تشريعية فقط، تتعلق بكل من قانون المالية لسنة 2022، قانون التصفية المتعلق بتنفيذ
قانون المالية لسنة 2019، الى جانب القانون التنظيمي للتعيين في المناصب العليا.
تنسيق المعارضة يرى النور
بعد أن قاد الأغلبية على مدار
عقد من الزمن، سيتجه حزب العدالة والتنمية مباشرة بعد نتائج انتخابات 8 شتنبر إلى
دكة المعارضة، دكة يتواجد فيها أيضا حزب التقدم والاشتراكية الذي عدت نتائجه جد
إيجابية مقارنة مع وضعيته السياسية السابقة. حزب آخر بتاريخه الطويل انضم للمعارضة
بعد أن “استغنى” عنه عزيز أخنوش في الرمق الأخير من المشاورات الحزبية
لتشكيل الحكومة، ويتعلق الأمر هنا بحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي
خرج كاتبه الأول ادريس لشكر فيما بعد ليؤكد على أحقيته (أي الحزب) في الحكومة أكثر
من حزب الأصالة والمعاصرة. وإلى جانب هذه الأحزاب الثلاثة اصطف حزب الحركة الشعبية
بقيادة أمينه العام محند العنصر، بعد مشاورات حزبية مع حزب التجمع الوطني للأحرار لم
تضمن له المشاركة في الحكومة.
على الرغم من خلافاتها
وصراعاتها، استطاعت هاته الأحزاب الأربعة تشكيل تنسيق مشترك يجمعها داخل مجلس
النواب ويمكنها من الضغط الجماعي على “الحكومة المصغرة” منذ بداية
ولايتها. فبتاريخ 3 نونبر2021، تم تشكيل التنسيق الرباعي وتعيين عبد الرحيم شهيد
ناطقا رسميا باسمه.
وقصد اعداد خطة عمل فعالة
لمراقبة العمل الحكومي، تم في السابع من فبراير عقد ندوة صحفية بمناسبة اختتام
الدورة الخريفية لمجلس النواب.
وحضر الندوة كل من عبد الرحيم
شهيد رئيس الفريق الاشتراكي وادريس السنتيسي رئيس الفريق الحركي، الى جانب كل من
رشيد حموني رئيس فريق التقدم والاشتراكية وعبد الله بوانو رئيس المجموعة النيابية
للعدالة والتنمية.
وخلال هذه الندوة الصحفية،
انتقد ممثلو أحزاب المعارضة سعي الحكومة وأغلبيتها إلى التحكم في المنطق العددي
الضيق على حساب الاستناد إلى المنطق الديمقراطي الذي يصون التعددية ويعلي من
شأنها، مؤكدين على ضرورة حماية التعددية السياسية والتوازن المؤسساتي وضمان حقوق
المعارضة القانونية في مواكبة أشغال الحكومة.
وفي السياق ذاته سجلت
المعارضة ما سمته جمودا حكوميا فيما يخص تدبير المنحى المرتفع لأسعار المحروقات
وأثمنة غالبية المواد الاستهلاكية الأساسية بالنسبة للمواطنين، متهمة إياها (أي
الحكومة) بعدم التدخل لضبطها أو تسقيفها وترك المواطنين في مواجهة مباشرة مع
قوانين السوق، والاكتفاء فقط بسياسة التبرير لا غير.
المعارضة ليست وحدها…الشارع بدوره يعارض!
لا يختلف اثنان في كون حكومة
عزيز أخنوش قد وجدت نفسها منذ البداية في اصطدام مع شارع “يقظ"، شارع
يعبر عن استياء المواطنين المغاربة من البداية "غير الموفقة” للحكومة
الحالية. ولعل أولى القرارات التي تجاوب معها الشارع بسخط تام هو قرار وزارة
التربية الوطنية القاضي بتسقيف سن الترشح لمباريات أطر الأكاديميات الجهوية في
حدود ثلاثين سنة، وهو ما قابلته فئات واسعة من المجازين وحملة الشواهد بالرفض،
متهمين الحكومة بتأزيم وضعية خريجي الجامعات المغربية وإقصاءهم من حقهم في الوظيفة
العمومية.
مسألة أخرى كانت فيها الحكومة
على موعد مع “سخط شعبي حاد” للشارع المغربي، ويتعلق الأمر هنا بإقرار
إلزامية الجواز الصحي لارتياد المرافق العمومية والخدمات والالتحاق بمقرات العمل
بالنسبة للموظفين، حيث جر هذا القرار على الحكومة انتقادات لاذعة سواء من قبل
المواطنين أو الجمعيات الحقوقية أو حتى فرق المعارضة، وهو ما سيترجم فيما بعد
لمظاهرات واحتجاجات عارمة همت العديد من مدن المملكة.
وتزامنا مع الذكرى الحادية
عشرة لحركة 20 فبراير، شددت بعض من أصوات الشارع المغربي على ضرورة قيام الحكومة
بتدخل استثنائي وعاجل لدعم القدرة الشرائية للمواطنين، في ظل موجة غلاء غير مسبوقة
أرخت بظلالها على المعيش اليومي للطبقة الفقيرة والمتوسطة على حد سواء. ارتفاعات
حادة شملت أسعار غالبية المواد الاستهلاكية الأساسية وأسعار المحروقات، جعلت إذن
المواطنين يدقون ناقوس الخطر في وجه “حكومة الأحزاب الثلاثة"، مطالبين
إياها في الوقت ذاته بالتدخل العاجل عبر تدابير استعجالية لحماية القدرة الشرائية،
ولعل أبرز ما طالبو به هو إعادة تأميم شركة "لاسامير” وتسقيف أسعار
المحروقات.
الحاجة إلى معارضة برلمانية قوية
إن حاجة المغرب إلى معارضة
مؤسساتية قوية لا يقل أهمية عن حاجته إلى حكومة قوية ومتناسقة، حيث إن المعارضة تضطلع
بدور هام في العملية الديمقراطية لا يقل أهمية عن دور الأغلبية. فبدون المعارضة
البرلمانية لا يمكن الحديث عن تداول للسلطة، حيث سنتحدث آنذاك عن حكم استبدادي
تستحوذ فيه الأغلبية على اليات السلطة ولا تجد من يقيم عملها ويوجهها ويتدخل وقتما
أمكن ذلك. ويعد وجود المعارضة البرلمانية ضروريا لاستمرار المسار الديمقراطي، حتى
لا يصبح الشارع هو القائد الرئيسي للمعارضة ضد الأغلبية، وهو ما يمكن ان يؤدي
للعصيان المدني للدولة في بعض الأحيان.
لم يمنع التفاوت الأيديولوجي
أحزاب المعارضة من تشكيل تحالف رباعي تصفه هي نفسها بالمتناسق، حيث أن المشارب
الفكرية لهذه الأحزاب مشارب مختلفة ومتنوعة تتوزع ما بين الإسلامية والتقدمية
والاشتراكية…
لقد ساهمت انتخابات ثامن شتنبر في بلورة مشهد
سياسي جديد، مشهد تبرز فيه حكومة ثلاثية احترمت في عملية تشكيلها أصوات ورغبات
الناخبين المغاربة. أما المعارضة فقد ضمت أحزابا خبرت العمل الحكومي لسنوات سابقة.
وإذا كانت المعارضة البرلمانية في الدول الديمقراطية هي “العين اليقظة”
لمراقبة عمل الحكومة ومحاسبتها، فإننا الآن في المغرب يمكننا التساؤل عما إذا كانت
هذه المعارضة تقوم بهذا الدور أم أنها تكتفي فقط بممارسة شكلية داخل مؤسسة تشريعية
تستحوذ عليها الأغلبية.
إن المؤسسة التشريعية بالمغرب مؤسسة ممثلة للأمة
إلى جانب الملك، لها اختصاصاتها التي حدد مجالها دستور 2011، اختصاصات تتمثل أساسا
في التشريع ومراقبة عمل الحكومة وتقييم السياسات العمومية. وتمتاز هذه المؤسسة
بعلاقتها الوطيدة بالسلطة التنفيذية، إذ تشارك في التنصيب القانوني للحكومة عن
طريق التصويت على برنامجها بالأغلبية المطلقة، كما تستدعي أعضاء الحكومة للحضور
لجلسات الأسئلة الشفوية التي تتعلق بالسياسات العمومية.
على العموم، واستحضارا للوضعية السياسية الحالية،
يمكن القول بأن المعارضة وعلى الرغم من تنسيقها، إلا أنها لا زالت إلى حد الآن غير
قادرة على تشكيل تهديد حقيقي على الأغلبية، وذلك راجع إلى قلتها العددية بمجلس
النواب أولا، وإلى “تشديد الأغلبية الخناق عليها” وتهميش دورها سواء
داخل اللجان أو من خلال المقترحات ثانيا. فطبيعة النظام الدستوري المغربي هي هكذا،
تفرز حكومة مهيمنة على البرلمان من جهة، وأغلبية برلمانية تفوق المعارضة قوة وسلطة،
مما يجعل خلق التوازن بين المعارضة والأغلبية أمرا صعبا.
وعليه، فإن تمتيع المعارضة بجميع حقوقها
وصلاحياتها وخلق التوازن الضروري بين المعارضة والحكومة خطوة أساسية وضرورية وجب
أن يتم اتخاذها من أجل صون التعددية السياسية، والتوجه إلى إقامة الفصل الصارم بين
السلط، بين سلطة تختص في التشريع وأخرى تختص في التنفيذ.
إعداد عبد العزيز أكرام _طالب بالمعهد العالي للإعلام والاتصال
*يشارك هذا المقال في مسابقة أحسن مقال صحفي حول العمل البرلماني.
تنظيم جمعية سمسم- مشاركة مواطنة – مشروع نوابك للتواصل البرلماني