

توجه
إلى الإعلام العمومي
المغربي عامة والقنوات
التلفزية خاصة – باعتبارها
أقوى وسيط في
المجال الإعلامي ولنفاذها
إلى مختلف شرائح
المجتمع- انتقادات لاذعة
من قبل المتلقي.
فقد عتدنا
سماع ومشاهدة ما
يقال وما يكتب
حول المشهد الإعلامي
المغربي، خاصة في
شهر رمضان. ففي هذه
الفترة من السنة
تزداد المؤاخذات والتساؤلات
حول ما إذا
كانت المحتويات المعروضة
ترقى بمستوى المشاهد،
أم أنها قنوات
مستسلمة للارتجالية غير
اللائقة والتفاهة الواضحة،
وأداة للانحطاط بالمستوى
الفكري والثقافي للمغاربة.
إنه
بكل اختصار مشهد
إعلامي يراه الكثيرون
أنه لا يلائم
ما يطمح إليه
المشاهد ولا يستطيع
إحداث الإصلاح المطلوب
والانفتاح الحقيقي. وإذا كان
هذا الانفتاح موجود
ولو بنسبة ضئيلة،
فهو يكاد لا
يتجاوز عتبة ما
يمكن تسميته بالتطور
المزاجي الذي لا
ينبع من إرادة
سياسية تجسد تفاعلات
المجتمع كما يجب.
هنا
ليطرح السؤال: هل
يكفي تغيير عقليات
القائمين على الإعلام
العمومي لتغيير المضامين
المعروضة والأدوار التي
يجب أن يطلع
بها؟ فالموارد البشرية
تعتبر عاملا مهما
ومحددا أساسيا في
أية سياسة تدبيرية
ناجحة، والاستثمار فيها
يساهم في تطوير
المشهد الإعلامي بإذاعاته
وتلفزاته، كما يعزز
إنتاج مضامين ومحتويات
البرامج والارتقاء بها.
أما إذا
ربطنا إشكالية الإعلام
العمومي – واقتران مضامينه
بالرداءة – بمجلس النواب،
وتساءلنا عما إذا
كان الموضوع محط
نقاش داخل قبة
البرلمان ويحظى بأهمية
خلال الجلسات العمومية
سواء منها الرقابية
أو التشريعية، فسنلاحظ
غياب لهذا الموضوع،
ليس فقط في
الولاية الحالية، بل
حتى في الولايات
السابقة.
تتنوع المجالات
التي توجه لها
الأسئلة الشفهية داخل
مجلس النواب (المجال الفلاحي،
والحقوقي، والصحي، والسياحي،
والاقتصادي، والرقمي، والبيئي
والاجتماعي وهلم جرا).
في حين أن
قضية الإعلام العمومي
حاضرة لدى البرلمانيين
لكن بشكل متفاوت
بينهم.
وبالعودة إلى
الأسئلة الشفهية التي
تطرح خلال الجلسات
العمومية كل أسبوع،
سنلاحظ أن إشكالية
الإعلام العمومي لا
تحظى باهتمام النواب
البرلمانيين بما يكفي،
إلا في حالات
نادرة تكون فيها
الأسئلة قليلة وغالبية
هذه الأخيرة لا
علاقة لها بالمضمون.
لكل
ذلك نجد أن
الأسئلة بهذا الخصوص
قليلة نسبيا مقارنة
مع باقي القضايا
المجتمعية، ونفس الفكرة
يؤكدها مجموعة من
النواب البرلمانيين. فانطلاقا
من تجربتها البرلمانية
تؤكد النائبة البرلمانية
في الولاية السابقة
“فاطمة
الزهراء نزيه” أنه
طيلة الولاية السابقة
لاحظت غياب أسئلة
شفهية تطرح حول
الإعلام العمومي، باستثناء
قلة قليلة من
النواب المهتمين بالشأن
الإعلامي، إلا أن
أسئلتهم تبقى قليلة
وغير معمقة1.
ويتضح هذا
الغياب أكثر حين
نلاحظ كيف أن
أي نائب برلماني
لا يناقش البرمجة
الإعلامية التي تقدمها
القنوات العمومية، في
حين أنه من
الضروري طرح تساؤلات
في هذا الجانب
على اعتبار أن
الإعلام العمومي أساسي
ويطرح معضلة في
بلادنا.
وبالعودة إلى
الأسئلة الشفهية التي
طرحت خلال الولاية
الحالية ابتداء من
21 أكتوبر سنة 2021 وإلى
غاية الجلسة الموافقة
ل 14 أبريل عام2022. فقد تم
طرح ما يناهز
3074 سؤالا
خلال الجلسات الأسبوعية،
والغريب في الأمر
أنه أي سؤال
شفهي لم يتعلق
بالإعلام العمومي من
بين هاته الأسئلة.
أعتقد أن
ندرة إن لم
أقل غياب أسئلة
شفهية تطرح من
قبل النواب البرلمانيين
حول الإعلام العمومي
المغربي يعتبر إجحافا
من قبل هؤلاء،
وإن دل هذا
على شيء فإنما
يدل على أن
الإعلام العمومي في
بلادنا ما يزال
يحظى بمكانة ثانوية،
وينظر إليه نظرة
تبخيسية على اعتبار
أنه لا حاجة
لنا بإدراجه ضمن
الأولويات، في حين
أن تناول الموضوع
من قبل البرلمانيين
ومناقشته، من شأنه
الرقي بالمشهد الإعلامي
ككل، ومن تم
الرقي بالمجتمع. فوعي
فئات عريضة من
المجتمع وتحليها بالقيم
والأخلاق، مرتبط بالأساس
بالإعلام لا لسبب
معين، ولكن لأن
الإعلام ببساطة له
وظائف يقوم بها
من بينها التثقيف
عن طريق نشر
وبث مواد صحافية
مفسرة للأحداث وما
وراء الأحداث، دون
أن ننسى أن
سمو الوعي الثقافي
للمجتمع ما هو
إلا نتاج لإعلام
حقيقي نزيه، وبالتالي
فطرح تساؤلات حوله
ربما يفسح المجال
لإصلاح ما يمكن
إصلاحه.
لطالما يراهن
المغرب على إصلاح
قطاع الإعلام والاتصال
لأجل المضي قدما
في مشروع الدمقرطة،
إلا أن هذا
الإصلاح يظل شكليا
بالدرجة الأولى، ومنه
فالمكانة التي يحتلها
حضور الفاعلين السياسيين
في المضامين والمحتويات
التي تبثها وسائل
الإعلام العمومي بالمغرب
محدود، بل شبه
غائب، واللافت في
الحضور أن التلفزة تشكل
بامتياز وسيلة اتصال
شعبية ولذلك جرى
استعمالها للسيطرة على
العقول، ومنه فالاستراتيجية
الثقافية لوسائل الإعلام
العمومي تعتمد بشكل
كبير على الثقافة
الاستهلاكية على حساب
المتطلبات الأخرى، وهو
ما يفسر تغييب
حضور المؤسسة التشريعية
في المضامين الإعلامية،
والغوص في مكونات
هذا النموذج من
الثقافة الإعلامية الاستهلاكية
التي تستهدف طبقات
معينة على رأسها
الطبقات الشعبية والهشة يكشف
عن وجود وهم
غياب المشاكل الاجتماعية
وتسطيح الوعي عبر
مضامين سطحية ومصطنعة
وشكلية، بغية إبقاء
الوضع القائم على
ما هو عليه.
وهكذا عجز الإعلامي
العمومي عن استيعاب
التطورات الجديدة، وغياب
أسئلة برلمانية حول
الموضوع عمق الأزمة
أضعافا.
1-المصدر: تصريح النائبة
البرلمانية فاطمة الزهراء نزيه، والنائبة البرلمانية من الاتحاد الاشتراكي حنان
رحاب.
بقلم
هند أوراوي – طالبة بالمعهد العالي للإعلام والاتصال
يشارك هذا المقال في مسابقة أحسن مقال صحفي حول العمل البرلماني.
تنظيم جمعية سمسم- مشاركة مواطنة – مشروع نوابك للتواصل البرلماني.